بعد تأكيد القاهرة استضافة المؤتمر الدولي..كم تكلفة إعادة إعمار قطاع غزة؟

تابعنا على:   15:30 2025-09-25

أمد/ القاهرة: في 23 سبتمبر انعقد المؤتمر الدولي حول التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وحل الدولتين، واختتم رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي كلمته بالإشارة إلى أن "مصر، بمجرد التوصل لوقف إطلاق النار، ستستضيف المؤتمر الدولي لإعادة الإعمار في قطاع غزة، لحشد التمويل اللازم للخطة العربية الإسلامية لإعادة الإعمار بالتنسيق مع الحكومة الفلسطينية، بما يضمن بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه ومساعدته على تجاوز الخسائر الجسيمة التي سببها العدوان"، وهو ما يعكس الدور المصري الكبير في هذه الحرب.

وتأسيسًا على ما سبق، يتناول هذا التحليل قياس تكلفة إعادة إعمار قطاع غزة بعد أكثر من 700 يوم من الحرب الإسرائيلية عليه، مع توضيح الدور المصري في هذا الشأن.

تكلفة إعادة الإعمار

وفقًا لأحدث التقارير التي توضح الخسائر في قطاع غزة، يمكن بلورة تكلفة إعادة الإعمار في النقاط التالية، كما يوضح الشكل (1):

(-) خسائر القطاع التعليمي: أشارت الهيئة العربية الدولية للإعمار في فلسطين إلى أن الأضرار امتدت إلى أكثر من 95% من مدارس القطاع، إذ يحتاج أكثر من 90% منها إلى إعادة بناء أو تأهيل رئيسي، بعد أن تعرض 662 مبنى مدرسيًا للاستهداف. وبحساب إجمالي المؤسسات التعليمية التي تضررت، تبين أن نحو أكثر من 2308 مؤسسات تعليمية، ما بين مدارس وجامعات، تضررت، وهي الأرقام المعرضة للزيادة مع نهاية الحرب. ولما كان متوسط بناء المبنى التعليمي يُقدَّر بنحو 4 ملايين دولار، فإن التكلفة الإجمالية لتدمير أكثر من 2308 مبانٍ تعليمية تبلغ نحو أكثر من 9.23 مليار دولار.

(-) خسائر القطاع السكني: وفق بيانات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، فقد تضررت أكثر من 161 ألف وحدة سكنية تدميرًا كاملًا، بينما تضررت أكثر من 276 ألف وحدة سكنية بشكل جزئي. ونظرًا لأن متوسط تكلفة بناء المنزل في قطاع غزة يُقدر بنحو 100 ألف دولار، فإعادة بناء المباني السكنية التي تم هدمها بالكامل يُقدر بنحو 16.1 مليار دولار، بينما يُقدر إعادة تأهيل المباني السكنية المتضررة (متوسط 50 ألف دولار للوحدة) بنحو أكثر من 13.8 مليار دولار، وبالتالي يتطلب القطاع السكني أكثر من 29.9 مليار دولار.

(-) خسائر القطاع الصحي: يُعتبر القطاع الصحي من القطاعات الرئيسية التي شهدت توقفًا شبه كلي، وهو مُهدد بالانهيار الكامل، وبالتالي سيُؤخذ في الاعتبار عند تقدير تكاليف إعادة الإعمار. يتكون القطاع من 36 مستشفى تعرضت للانهيار، وسوف يحتاج تأهيله إلى نحو 10 مليارات دولار وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، مع ضرورة استمراره من 5 إلى 7 سنوات.

(-) تكاليف إزالة الركام: أسفرت الحرب عن نحو 42 مليون طن من الأنقاض، وهو ما يكفي لملء أكثر من 1.3 مليون شاحنة. وكشفت مؤسسة راند البحثية الأمريكية أن إزالة الركام ستُكلف أكثر من 1.2 مليار دولار، وتعد عملية معقدة بسبب وجود القنابل والألغام والصواريخ غير المنفجرة، والمواد الملوثة الخطيرة، ومئات الشهداء الذين لا يزالون تحت الأنقاض.

(-) إعادة تأهيل البنية التحتية العامة: يشمل هذا البند إعادة تأهيل الطرق والكباري والمباني الحكومية. فقد تم تدمير 2.8 مليون متر من شبكة الطرق، وقد قُدرت تكلفة هذه الخسائر بنحو 3 مليارات دولار. وفي البنية التحتية للخدمات الحيوية بلغت تكلفة الخسائر نحو 5.2 مليار دولار، وفقًا لتقرير مشترك بين البنك الدولي والأمم المتحدة، حيث بلغت خسائر قطاع الكهرباء وحده 728 مليون دولار، مرتفعة من 450 مليون دولار في فبراير 2025.

(-) إنعاش القطاعات الإنتاجية: دمرت الحرب الإسرائيلية على غزة القطاعات الإنتاجية المختلفة. وفقًا لتقييم جغرافي مكاني أجرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) ومركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، تبين أن 95% من الأراضي الزراعية أصبحت غير متاحة، كما تضرر 71.2% من الصوبات الزراعية، وقدرت وزارة الزراعة خسائر القطاع الزراعي بنحو أكثر من 10 مليارات دولار. وفي الصناعة، تضرر أكثر من 300 مصنع بالكامل، فضلاً عن 700 مصنع جزئيًا، فقُدرت الخسائر في قطاعي الصناعة والتجارة بنحو 6.9 مليارات دولار، بينما بلغت خسائر قطاع النقل نحو 2.9 مليار دولار.

(-) تكاليف الحماية الاجتماعية: بجانب التكاليف السابقة، توجد تكاليف الحماية الاجتماعية لسكان القطاع بعد الحرب. وفقًا للبنك الدولي، 100% من سكان غزة يعانون من الفقر، ما يتطلب برامج تغذية وتحويلات نقدية تساعد الأسر الفلسطينية على الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، وقد قدر تكلفة هذه الحماية بنحو 4.2 مليارات دولار.

تكلفة السيناريوهات المحتملة

لكل سيناريو محتمل حول الحرب في غزة تكلفته الاقتصادية والسياسية، كما يلي:

(*) استمرار التعنت الإسرائيلي: يُعد هذا السيناريو الأقرب لاستمرار الحرب في غزة، فبقاء نتنياهو سياسيًا مرتبط ارتباطًا وثيقًا باستمرار هذه الحرب، وبالتالي ستستمر تحت التعنت الإسرائيلي تحت رعاية حكومته. العواقب الاقتصادية تتمثل في ارتفاع خسائر القطاع، والتي تمتد مباشرة إلى الضفة الغربية، ما يزيد التكلفة التقديرية لإعادة الإعمار، وترتفع التكاليف الإقليمية، خاصة على مصر والدول المجاورة. ومن الناحية السياسية، ينعكس استمرار التعنت على الأمن القومي لدول المنطقة، كما حدث في قطر ولبنان وسوريا واليمن.

(*) حل سياسي ووقف إطلاق النار: هذا السيناريو يتطلب إرادة دولية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية للتوصل إلى حل سياسي في الأراضي الفلسطينية، يتبلور في حل الدولتين، خاصة في ظل موجات الاعتراف بدولة فلسطين. لن يتحقق هذا السيناريو دون موافقة أمريكية وممارسة ضغوط على الجانب الإسرائيلي.

وفي حال تحقق السيناريو، ستكون له عوائد سياسية إيجابية، تمثل في حصول الشعب الفلسطيني على حقه في موطنه والعيش بسلام، كما تشمل العوائد الاقتصادية توقف ارتفاع تكلفة الحرب على القطاع والدول المجاورة.

الدور المصري

تقود الدولة المصرية خطوات التسوية الفلسطينية وإعادة إعمار قطاع غزة، وتتمثل ملامح هذا الدور في النقاط التالية:

(-) السعي إلى وقف إطلاق النار: تسعى مصر جاهدة إلى تسوية الصراع في فلسطين بما يضمن حق الشعب الفلسطيني. وتتمحور مواقفها في أي محفل دولي أو إقليمي حول أهمية التسوية السياسية في القضية الفلسطينية، إدراكًا منها أن إعادة إعمار قطاع غزة لن تتحقق بدون وقف إطلاق النار بشكل نهائي والتوصل إلى حل الدولتين.

(-) حشد التمويلات: تعتمد إعادة إعمار غزة على مساهمة الدول المختلفة في تمويل هذا القطاع المدمر، وهو ما تعمل مصر على توفيره بعد انتهاء الحرب عبر المؤتمر الدولي الذي أشار إليه رئيس مجلس الوزراء، بما يتطلب تعاون الدول العربية والدولية، خاصة في ظل الوضع المأساوي للقطاع.

ويجدر بالذكر أن وزارة الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج استضافت في مارس 2025 اجتماعًا دوليًا لإعادة تأهيل القطاع الصحي بقطاع غزة، موضحة ملامح الاستجابة المصرية الطارئة والخدمات الصحية التي قدمتها مصر لأكثر من 107 آلاف مواطن فلسطيني دخلوا إلى مصر منذ بداية الحرب، بتكلفة تجاوزت 570 مليون دولار، مما شكل نواة المقترح المصري لإعادة بناء وتعزيز القطاع الصحي.

(-) المساهمة في عمليات التعمير: تمتلك مصر مقومات كبيرة لإعادة الإعمار، ما يجعل دورها محوريًا في هذه العملية. فمصر تُعد البوابة اللوجستية لاستقبال وإرسال مواد البناء والمعدات الثقيلة إلى غزة عبر معبر رفح. كما تتميز الشركات المصرية بقرب المسافة وقدرتها على تقديم أسعار منخفضة مقارنة بالشركات العالمية، فضلاً عن خبرتها الكبيرة في تنفيذ المشروعات القومية.

في النهاية، تتطلب عمليات إعادة إعمار قطاع غزة تكاتفًا إقليميًا ودوليًا واسع النطاق، فالقطاع فقد كل مقومات الحياة، وهو ما يستدعي صياغة خطة مصرية-إقليمية-دولية للإشراف على إعادة البناء، تشمل آلية رقابة مالية مشتركة وخارطة طريق واضحة للأولويات. ويحتاج القطاع إلى نحو 20 مليار دولار خلال أول ثلاث سنوات من إعادة الإعمار، ما يتطلب استراتيجية واضحة لتوضيح معالم العملية.

ويجب التأكيد أن البناء وإعادة الإعمار لا يمكن أن يتم في ظل السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، إذ يجب أن ينعم الفلسطينيون بدولة كاملة الأركان قبل البدء في أي عمليات إعمار لضمان عدم هدم ما يتم بناؤه.

اخر الأخبار